أسباب ظهور النظام المالي الاسلامي

توسع الدولة يتطلب الانفاق لاسيما في المجال العسكري . كما أن الفتوحات كانت تدر على الدولة الاسلامية اموالا كثيرة ، مما استدعى قيام مؤسسة لحفظها والتصرف فيها .وقد تأثر المسلمين بالتنظيمات المالية الاخرى ، فقد كان الاكاسرة يأمرون بتوزيع الاموال على الناس والجند من بيت يشبه ما حصل لدى المسلمين يسمى مال البيعة. كما يروى بان الوارد بن هشام قد قال لعمر بن الخطاب "قد كنت في الشام فرأيت ملوكها دونوا ديوانا واستخدموا للمال ديوانا وللجند ديوانا" فأخذ عمر بقوله وهكذا انشأ بيت المال ليكون الجهة الحكومية التي تتولى عملية جمع الايرادات وصرف النفقات وعمل الموازنة.

مفهوم المالية العامة في الشريعة الإسلامية

يمكن تعريف المالية العامة من وجه النظر الاسلامية بأنها: "مجموعة القواعد والمبادئ والأصول

المستمدة من علم الاقتصاد المبني على الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية والمتعلقة بإيرادات الدولة

ونفقاتها والفجوة بين هذه الايرادات والنفقات“‎

ترك العرب مؤلفات هامة في الأصول المالية مثل كتاب "الخراج" للقاضي أبو يوسف الذي كتبه زمن

الخليفة هارون الرشيد، كما تحدث أيضاً ابن خلدون عن مسائل الجباية‎ ‎

أسس المالية في الإسلام

الأساس الأول : أنها مسؤولة بشكل مباشر عن الموارد التي توضع تحت تصرفها والذي يطلق عليه بعض العلماء استخلاف بيت المال .

الأساس الثاني : أنها مسؤولة عن مراقبة القطاع الخاص اي الافراد المستخلفين في باقي الموارد الاقتصادية ، وإلزامهم العمل بالأحكام التي أقرها الشرع القويم وهذا التنظيم الاداري هو بيت المال الذي تقابله في النظم المعاصرة وزارة المالية او الخزانة الذي يتضمن جانبين مهمين هما إيرادات بيت المال ونفقات بيت المال.

الإيرادات العامة الإسلامية

يمثل بيت المال مؤسسة إسلامية أشبه بخزينة الدولة ويرجع تكوينه الى عهد عمر بن الخطاب وان الخزينة المركزية في العاصمة وكانت ايراداته تجمع في ايرادات الاقاليم، دواوين الخراج المحلية فينفق الوالي ما يلزم الادارة المحلية ثم يقوم بإرسال المتبقي إلى بيت المال المركزي، الذي يشرف عليه خليفة المسلمين مباشرة ويديره صاحب بيت المال.عرف النظام المالي الإسلامي الإيرادات العامة وتنقسم إلي:

  • الموارد الدائمة الدورية للدولة الإسلامية وهي التي تأخذ صفة الاستمرار والتكرار ومنها : الزكاة، الجزية، الخراج، ...
  • الموارد غير الدورية وهي التي لا تتكرر باستمرار او بشكل دوري ومنها: الغنائم، الفيء، التبرعات، الصدقات، التوظيف المالي، الأوقاف والعشور...

الإيرادات العامة الإسلامية

حدد العلماء ما لبيت المال من حقوق وواجبات ، حيث اعتبروا أن كل مال استحقه المسلمون هو حق من حقوق بيت المال ، وكل وجه من اوجه النفقات في مصالح المسلمين هو حق من حقوق بيت المال ، اما المستحق على بيت المال من نفقات من الالتزامات فهي على نوعين

الأموال المودعة فيه وهو ملزم بدفعها اذا توفرت فيه الاموال فاذا انعدمت فان هذا الالتزام بالدفع يسقط بالضرورة .

الأموال التي يترتب صرفها في بيت المال والتي تتمثل بالحقوق المالية كالأموال التي تنفق لأغراض الحرب وكذلك الأموال التي تنفق لأغراض الخدمات العامة.

النفقات العامة الإسلامية

•         النفقات العسكرية والأمن الداخلي: ما تنفقه الدولة على اعداد الجيش وتجهيزه بالسلاح والعتاد...

•         النفقات على منشآت الدولة: كبناء المدن والمساجد والقناطر والسدود والتحصينات والقلاع.

•         النفقات على الصناعة والزراعة: وهي المبالغ التي تنفق على القطاعات لاقتصادية كتقديم إعانات للتجار والصناعيين والمزارعين لحثهم على العمل والابداع.

•         النفقات على التعليم: لبناء المدارس ودور العلم ونسخ المخطوطات الدينية والتعليمية.

•         خدمات البلدية والرعاية الاجتماعية: منها الاهتمام بنظافة المدن والانفاق على العجزة وكبار السن ومتضرري الحرب.

الموازنة العامة الإسلامية

هناك تقسيم لموازنة النظام الإسلامي تقوم على اساس وجود:

الموازنة العامة الاساسية وهي التي تواجه كافة النفقات العامة التي تحقق المصلحة العامة للمسلمين .

موزانة الضمان الاجتماعي والتي تختص بإشباع جانب هام من الحاجات العامة تتمثل في نفقات الضمان الاجتماعي الى الجانب الدعوي.

وبناء على هذا التقسيم كانت للمالية الاسلامية ثلاثة أنواع من الموازنات المستقلة:

الموازنة الأولى: موازنة الزكاة او التكافل الاجتماعي: وتشمل الايرادات الزكاة، والفيء والغنائم

والجزية من أهل الذمة ،أما في جانب المصروفات فيحتل الجانب الاكبرمنها الرعاية الاجتماعية للفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمين  ...

الموازنة الثانية: موازنة بيت المال: وتشمل إيرادات ونفقات جارية. فالإيرادات تأتي من العشور

الناشئة من الحرب والجزية بدل الجندية والثمن العام والرسوم ، اما النفقات فتتمثل بالنفقات على الاجور والمرتبات والانفاق العسكري.

الموازنة الثالثة: موازنة الاستقرار: واليها يرحل فائض موازنة المصالح لصرفه على التحصينات او ابقاءه كاحتياطي للمستقبل.

 خصائص المالية العامة في الإسلام

  1. الثبات والاستقرار:

تمتاز قواعد النظام المالي الإسلامي بالثبات والاستقرار على أساس أنها مستمدة من أحكام الشريعة

الاسلامية التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان مما يجعل هذه القواعد ثابتة ومستقرة وهذا بخلاف المالية العامة في النظم الوضعية وفي هذه الخاصية حماية للمكلفين من الخضوع لأهواء ورغبات الحاكم.

  1. عدم وجود مبدأ سنوية الموازنة:

لم تعرف المالية العامة في ظل النظام الإسلامي سنوية الموازنة والتي تعني أن يتم تقدير النفقات العامةلفترة زمنية مقبلة تقدر عادة بسنة فلم يتم في ظلها تقدير للنفقات العامة التي ستقوم الدولة في السنة المقبلة بإنفاقها.

  1. الإيرادات مقدمة على النفقات:

إن الإيرادات مقدمة على النفقات بمعنى انه يتم جمع الإيرادات أولا وتدخل بيت مال المسلمين ثم تتم

عملية الإنفاق على مجالاتها المختلفة وعليه يختلف النظام المالي الإسلامي عن النظم المالية الوضعية وبذلك لا يعرف مبدأ «أولوية النفقات العامة على الإيرادات العامة».

  1. تعدد أهداف المالية في الإسلام:

ديني: حيث تهدف إلى التعبد والتقرب لله عز وجل وفي ذلك تزكية للنفس وتربيتها وتهذيبها.

اجتماعي: إذ تساعد على التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع فهي تحافظ على كرامة الفقراء والمساكين وتساعدهم في قضاء احتياجاتهم وبالتالي تخلق مجتمع متماسك ومتجانس.

اقتصادي: حيث تشجع على الاستثمار وتحارب الاكتناز والاحتكار....

  1.  مبدأ تخصيص الإيرادات :

من القواعد المستقرة في النظم المالية الوضعية أنه "لا تخصيص في الجباية والإنفاق" أي عدم

تخصيص إيراد معين لسد نفقة معينة أما في النظام المالي الإسلامي فان هذه القاعدة لا تؤخذ على إطلاقها.

حيث عرف النظام المالي الإسلامي الإنفاق الحكومي والتي من ضمن صوره أن يتم إنفاق إيرادات محددة

على جهات معينة لا يجوز شرعا تجاوزها فالزكاة والصدقات كأحد صور الإيرادات يجب إنفاقها على جهات محددة على سبيل الحصر.

 المقارنة بين المالية العامة والمالية الخاصة

تختلف المالية العامة عن المالية الخاصة سواء من حيث الهدف أو من حيثالمسؤولية والرقابة أو من حيث وسيلة تحصيل الإيرادات وأوجه الإنفاق ونبين كل ذلك على الوجه الآتي:

من حيث الهدف:

ان هدف قيام الدولة بالمرافق العامة ليس الربح في الغالب بل لاعمتبارات أخرى مثل انتفاع الجميع بالخدمة

بدون تمييز ،ولا ينفي ذلك ان الدولة قد تحصل على موارد مالية للميزانية العامة نتيجة لتوليها بعض

النشاطات، فالدولة لا تسعى إلى تحقيق الربح المادي فقط في قيامها بالمرافق العامة ، بل تسعى إلى تحقيق

المنفعة العامة المتمثلة بإشباع الحاجات الأساسية للمجتمع حتى لو ترتب على ذلك النشاط عدم تحقيق أي

ربح على الإطلاق عندما تقدم للأفراد خدمة بأقل من كلفتها. أما الأفراد فالهدف الرئيسي لأي نشاط هو

تحقيق اقصى ما يمكن من الأرباح لتحقيق مصلحته الشخصية حتى وان حقق المصلحة العامة للدولة.

معيار النجاح:

ويترتب على اختلاف الهدف من الإنفاق العام والخاص، أن يختلف معيار الحكم على مدى نجاح السياسة المالية لكل منهما، فالمالية الخاصة تعتبر ناجحة في حال حققت أقصى قدر من الأرباح، أما معيار نجاح النشاط العام في المالية العامة فإنه يحكم عليه بمدى تحقيقه لأهداف الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة وبمدى قدرته على تلبية الحاجات العامة لجميع الافراد والفئاتوالشرائح في المجتمع.

من حيث المسؤولية والرقابة:

تخضع المالية العامة لرقابة واسعة ولمسؤولية أشد من المالية الخاصة فهي تخضع للرقابة

الإدارية والقضائية والتشريعية لكونها تتعلق بأموال عامة ويجب على الإدارة تحقيق الصالح العام

وفي حال المخالفة لذلك فإن الموظف المخالف يتعرض لعقوبة أكبر وأشد مما هي عليه في المالية الخاصة فالمخالف يتعرض لعقوبة جنائية وإدارية أكبر.

من حيث وسيلة ومصادر تحصيل الإيرادات:

ان الأفراد غالبا ما يعتمدون في الحصول على إيراداتهم على الربح الذي يتم بالاتفاق أو التعاقد كوسيلة لبيع منتجاتهم وتقديم خدماتهم للدولة أو الأفراد . فهي تسلك بصورة رئيسية الطريق التعاقدي، وفق مبدأالعقد شريعة المتعاقدين، ولا تستطيع الحصول على الأموال المترتبة على التعاقد في حال رفض هذاالأخير سدادها إلا بالرجوع للقضاء واستصدار حكم بها.

بينما تتمتع الدولة بسلطة الإلزام والإكراه لتحصيل إيراداتها وهي سلطة متفرعة عن حقها في السيادة

حيث تتمتع بالتنفيذ الاجباري والذي يعتبر مظهرا من مظاهر التنفيذ المباشر الذي تتمتع به الإدارة في

علاقتها بالأفراد مما يمكنها من زيادة إيراداتها ومن مصادر مختلفة مثل الضرائب والرسوم والقروض وغيرها من صور الإيرادات.

 من حيث الأولوية في تقدير الإنفاق أو الإيراد:

تحدد الدولة نفقاتها ثم تعين مقدار ما يلزمها من الإيراد الذي تغطي به النفقات، ويجب في الظروف العادية

ألا تزيد الإيرادات عن النفقات حتى لا يحرم الأفراد من أموال ليست الدولة في حاجة اليها وذلك باستقطاعها

منهم كالضرائب. في المالية العامة هناك أولوية للنفقات العامة على الإيرادات العامة وهذا لا يكون في

المالية الخاصة حيث ترتبط أوجه الإنفاق الخاصة للأفراد بما يحققونه من إيرادات بمعنى أن الإيرادات

مقدمة على النفقات في المالية الخاصة فيقدر إيراداته أولا ثم ينفق في حدود ذلك الدخل ويرجع هذا الفرق

إلى ان قدرة الدولة على الاقتراض أوسع من قدرة الأفراد، فهي باقية وثقة المقترضين بها اكبر من ثقتهم بالأفراد.

من حيث طبيعة القانون:

تخضع المالية العامة سواء فيما يتعلق بالنفقات العامة أو الإيرادات العامة لقواعد وإجراءات تشريعيةصارمة هدفها المحافظة على المال العام مثل قانون المالية العامة الذي ينص على قواعد الموازنة العامةعند كل سنة جدية والقانون الإداري. لا تخضع المالية الخاصة لمثل هذه القواعد بل يتم في ظل القانون الخاص مثل القانون المدني أوالتجاري أو العمل ...

الدروس ذات الصلة