المفهوم التقليدي للمالية العامة

عرفت إدارة المالية العامة وفقاً لهذا المفهوم بأنها: "العلم الذي يبحث في الوسائل التي تحصل عليها الدولة من الإيرادات العامة لتغطية النفقات العامة، وتوزيع العبىء الناتج عن ذلك على األفراد"

وهذا المفهوم الضيق للمالية العامة مرتبط بوظائف الدولة وبالفلسفة السياسية السائدة في تلك الحقبة من الزمن حيث كانت وظائف الدولة محددة و مقتصرة على الدفاع الخارجي والأمن الداخلي وإقامة العدل لتعرف بالدولة الحارسة.

نشأة المالية العامة في العصور القديمة

في عهد اليهودية الأولى تضمنت تعاليمها بعض النظم والقواعد الخاصة بالفائدة والأجور والضرائب والمواريث إلى جانب تنظيم بقية الشؤون الاقتصادية المرتبطة بالمالية العامة...

في عهد اإلغريق تضمنت كتابات أفلاطون وأرسطو بعض الأفكار الاقتصادية العامة والمسائل المالية، التي كان لها دور كبير في تطور الفكر المالي في العصر الحديث.

في عهد اإلمبراطورية الرومانية كان تطور الفكر المالي مرتبط أساسا بسيادة النزعة الفردية التي قامت على أساسها قديما بعد فكرة القانون الطبيعي التي ساهمت في ظهور الرأسمالية.

في العصور الوسطى كان للكنيسة دور كبير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية فكادت الدولة أن تختفي وتخفي معها النظام المالية التي كانت معروفة من قبل كما تقلص الفكر المالي للدولة.

نشأة المالية العامة في العصر الإسلامي

لم يكن للعرب قبل الإسلام نظام مالي يذكر فلا أثر لتنظيم المالية العامة حيث كان بيت مال المسلمين الذي أقامه الخليفة عمر بن الخطاب أشبه بخزينة المالية العامة في العصر الحديث.

• - كما توخى التشريع الإسلامي في فرض الضرائب مبادئ العدل واليقين والملائمة والإقتصاد وهي نفسها المبادئ التي لم يتوصل إليها العالم إلا بعد اثنا عشر قرنا...

وقد ظهر هذا كله في العديد من كتابات الفقه الإسلامي لدى ابن مالك في كتاب "الزكاة" وابن يوسف الأنصاري في كتابه الشهير "الخراج" وابن رجب الحنبلي " الاستخراج لإحكام الخراج" وابن خلدون في مقدمته الشهيرة ...

خصائص المالية العامة التقليدية

بما أن وظائف الدولة محدودة في تحقيق الأمن الداخلي والخارجي الدفاع والعدالة وبعض الأشغال العامة فإن نفقاتها تكون محدودة ومحصورة بهذه الوظائف وإيراداتها لا تزيد على هذه النفقات الأساسية

1- محدودية الإيرادات والنفقات

بما أن وظائف الدولة محدودة في تحقيق الأمن الداخلي والخارجي (الدفاع) والعدالة وبعض الأشغال العامة فإن نفقاتها تكون محدودة ومحصورة بهذه الوظائف وإيراداتها لا تزيد على هذه النفقات الأساسية

2- الدور المحايد للمالية

المالية العامة في ظل المفهوم التقليدي دورها محايد ولا تتدخل إلا لتغطية النفقات الضرورية اللازمة لوظائف الدولة التقليدية ومن ثم ليس لها أبعاد اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ...

3- عدم الحاجة للقروض

اقتصرت الإيرادات العامة اللازمة لتغطية نفقات الدولة على بعض ضرائب الدخل دون غيرها من

الإيرادات الأخرى كالقروض والرسوم والضرائب غير المباشرة مثل الضرائب على الاستهلاك ...

4- الاقتصار على التوازن الحسابي

تتميز ميزانية الدولة في ظل المفهوم التقليدي للمالية العامة بصغر حجم النفقات العامة والإيرادات العامة ودورها يقتصر على التوازن الحسابي أو الرقمي وذلك منبثق عن طبيعة وظائف الدولة التقليدية ...

نشأة المالية العامة الحديثة

وجه االقتصاديون التقليديون من أنصار المذهب الحر ومن قبلهم الطبيعيون جانبا لا بأس به من اهتمامهم بدراسة المالية العامة حيث آمنوا بمبدأ  حياد السيادة المالية وبالتالي حصر دور الدولة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي في أقل الحدود الممكنة. وقد اقتصرت النفقات العامة بصفة عامة على ضمان التوازن بين الإيرادات والنفقات

أفكار االقتصاديين التقليدين تلاشت تدريجيا بعد أن أثبتت أزمة 1929 عدم تحقيق التوازن الاقتصادي آليا كما يوضح بجالء الدور الذي يمكن أن تلعبه السياسة المالية في إحداث التوازن فكينيز أشار إلى أن ميزانية الدولة تمثل قطاعا حيويا له أهميته الكبرى وآثاره البالغة على القطاعات الأخرى وخاصة أهمية الدور الذي تلعبه السياسة المالية في تحقيق الاستقرار االقتصادي.

تطور دور المالية العامة

تعنى إدارة المالية العامة بعمليات اإلنفاق في الحكومة وكيفية تحصيل اإليرادات. وهي مستمدة من الاقتصاد والعلوم السياسية العامة والمحاسبة والمراجعة.

المالية العامة وسعت تركيزها من الميزانية على تعبئة الموارد وصرف النفقات وتغطية الديون. هكذا توسعت إدارة المالية العامة من الميزانية الحكومية السابقة إلى جميع مستويات الحكومة والقطاع العام األوسع، بما في ذلك المؤسسات والهيئات العامة والشراكة بين القطاعين العام والخاص.

أهمية المالية العامة

الظروف المالية لها أثر هام في أوضاع الدولة السياسية فكثير من الدول فقدت استقاللها السياسي وتعرضت لنشوب الثورات والقالقل فيها بسبب اضطراب ماليتها العامة وعدم استقرارها.

كما حدث بالثورة األمريكية التي اندلعت بسبب قيام انجلترا بفرض الضرائب على أمريكا، إبان الاحتلال الانجليزي لها، أو الحرب الاهلية الانجليزية التي اندلعت نتيجة لقيام الملك بفرض ضريبة على السفن ونشبت حرب أهلية ...كما يعتبر وضع موازنة الدولة عمالً سياسيا، لأن الحكومة تترجم سياستها عن طريق الاعتمادات التي تدرجها في الموازنة العامة، لتكسب تأييد المواطنين.

المفهوم الحديث للمالية العامة

العلم الذي يبحث في كيفية استخدام األدوات المالية من نفقات عامة وإيرادات عامة في سبيل تحقيق أهداف وتوجهات الدولة النابعة من فلسفتها السياسية واالقتصادية واالجتماعية...

خصائص المالية العامة في ظل المفهوم الحديث

  1. تحقيق التوازن االقتصادي واالجتماعي: هدف المالية العامة هو تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي ولم يعد يقتصر على تحقيق التوازن المالي وعليه سميت الموازنة العامة بالموازنة االقتصادية حيث أصبحت تهدف إلى تحقيق االستقرار االقتصادي واالجتماعي فهدفها الحد والقضاء على المشكالت الاقتصادية والاجتماعية.
  2. المالية العامة تعكس دور الدولة: أصبحت المالية العامة للدولة مرآة عاكسة للدور المناط بالدولة وطبيعة وظيفتها المتدخلة في المجتمع فمفردات الموازنة العامة والتي تشكل جزءاً من المالية العامة لها دور مهم في نشاط الدولة الاقتصادي
  3. المالية العامة جزء من الاقتصاد الوطني: أصبحت نفقات وإيرادات الدولة جزء من الاقتصاد الوطني وأداة في يد الدولة للقيام بوظائفها في ظل المفهوم الحديث لهذه الوظائف أي تحقيق األهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة فهي تتبنى سياسات مالية جديدة تؤثر وتتأثر في الاقتصاد الوطني سواء الاقتصاد العام أم الخاص
  4. توسع حجم اإلنفاق: حجم اإلنفاق توسع واإليرادات ازدادت بصورة كبيرة حتى تستطيع الدولة القيام بوظائفها في ظل المفهوم الحديث وعليه أصبحت الميزانية العامة كبيرة ومتعددة األهداف
  5. إشباع الحاجات وتحسين الخدمة: نتيجة لزيادة اإليرادات العامة تقوم الدول بإشباع حاجات المواطنين وتحسين مستويات الخدمات العامة األمر مما يؤدي إلى زيادة حقيقية في النفقات العامة
  6. داربة الكساد: تلجأ الدول إلى زيادة نفقاتها العامة في أوقات الكساد إلحداث زيادة في الطلب الكلي الفعلي للوصول باالقتصاد الوطني إلى مستوى التشغيل الكامل، وهذه السياسة وإن كانت تصلح في الدول المتقدمة إلا أنها غير صالحة في الدول النامية.
  7. التنافس االقتصادي الدولي: التنافس االقتصادي الدولي يؤدي إلى زيادة النفقات العامة إما في صورة إعانات اقتصادية للمشروعات الوطنية لتشجيعها على التصدير ومنافسة المشروعات األجنبية في الأسواق الدولية، وإما في صورة إعانات لإلنتاج لتمكين المشروعات الوطنية من الصمود في وجه المنافسة األجنبية في الأسواق الوطنية.
  8. تحسين مستوى العيش : تطور الوعي االجتماعي وتزايد حاجات المواطنين، لا سيما في عصر االنفتاح التكنولوجي، وتطلع الشعوب إلى تحقيق حياة الرفاهية وتحسين الوضع الصحي والتعليمي واالجتماعي كما هو الحاصل لشعوب الدول المتقدمة، إلى زيادة النفقات العامة للدولة وبالتالي السعي لتحقيق مزيدا من  الإيرادات.
  9. الهجرة الداخلية : الهجرة المتزايدة من الريف إلى المدينة أدت إلى نشأة المجتمعات العمرانية الجديدة إليجاد فرص عمل للنازحين وفي نفس الوقت الاستغناء عن جوانب اقتصادية مهمة في الأرياف مثل الزراعة وتربية الأغنام والصناعات اليدوية... ميل السكان إلى التمركز في المدن والمراكز الصناعية إلي زيادة النفقات العامة المخصصة بالنقل والمواصالت والمياه والغاز والكهرباء ويرجع ذلك إلى أن حاجات سكان المدن اكبر وأكثر تعقيدا من حاجات سكان الريف والقرى والبادية.   

دراسة المالية العامة تتضمن عدة عناصر أساسية منها:

  • تحديد حجم الحاجات العامة الواجب اشباعها.
  • تحديد الوسائل والموارد إلشباع حاجة المجتمع.
  • تحديد تأثير هذا النشاط على الدولة.

تأثير المالية العامة في الدول:

1. في الدول الرأسمالية:

في هذه الدول يقوم القطاع الخاص أساسا بوظيفة الإنتاج أي أن طريقة الإنتاج تعتمد على الملكية الخاصة والعمل المأجور والهدف من الإنتاج هو تحقيق أقصى ربح والعمل على تحقيق االستقرار الاقتصادي والسماح لميزانية الدولة بالتقلب حسب النظرية الكينيزية التي مفادها استعمال تقنية العجز المقصود خلال دورة اقتصادية تمتد إلى عدة سنوات. لذا استعملت هذه السياسة لزيادة مستوى الطلب ورفع الإنفاق الكلي حتى يتساوى مع قيمة الانتاج ويمكن رفع مستوى الطلب بواسطة زيادة الإنفاق العام وزيادة الإعانات والتحويلات كالمنح والعائدات وتخفيض الضرائب

2. في الدول الاشتراكية:

في هذه المجتمعات يقوم القطاع العام أساسا بوظيفة اإلنتاج تعتمد على الملكية العامة لأدوات الإنتاج، وعلى التخطيط الشامل كأسلوب لإدارة اقتصادها. وتقوم السياسة وفق الخطة الوطنية الموضوعة لتوزيع الناتج الاجتماعي والدخل الوطني وإعادة التوزيع من دولة إلى أخرى حسب درجة نموها وإلى جانب وظيفتي التوزيع وإعادته توجد وظيفة أخرى وهي وظيفة الرقابة واالشراف المالي . بحيث تستخدم هذه الطريقة كأداة لإلشراف على األنشطة االقتصادية والمالية للدولة.

مجالات المالية العامة

  1. تحقيق التنمية المستدامة
  2. استغلال المصادر الطبيعية
  3. ادارة الازمات المالية
  4. ادارة الكوارث الطبيعية
  5. ادارة المساعدات
  6. ادارة الموارد

أهداف المالية العامة

  1. المحافظة على الاستقرار االقتصادي
  2. تحقيق العدالة في توزيع الدخل
  3. تحقيق توزيع أمثل للموارد
  4. دعم النمو االقتصادي
  5. تحقيق أقصى مساهمة في إشباع الاحتياجات.
  6. المساعدة في انجاز الخطط العامة للتنمية.

أدوات المالية العامة

1.النفقات العامة :

يقوم النشاط العام من خلال هيئاته (القطاع العام) بتحديد الحاجات العامة ، ولا يمكن للقطاع العام أن يلبي هذه الحاجيات إلا إذا توفرت السلع والخدمات اللازمة ويقوم النشاط العام في مقابل الحصول على هذه السلع والخدمات بتسديد ما يسمى بالنفقات العامة.

2. الإيرادات العامة: 

تغطية النفقات العامة تتطلب إيرادات عامة ولقد كان الدخل الحكومي هو المصدر الرئيسي للإيرادات العامة غير أن أهمية هذا العنصر قلت مع التطور الاجتماعي وما تبعه من تطور في نشاط الدولة فتعددت الإيرادات منها الداخلي ومنها الخارجي ومنها في شكل ديون ...

بالنسبة لحجم الأدوات المالية فإنه يختلف من نظام لآخر ومن فترة إلى أخرى (ضمن نفس النظام ) ، فهو يختلف في النظام الاشتراكي عن النظام الرأسمالي، كما أنه يختلف من مرحلة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر في هذا النظام ...

3. الميزانية العامة:

هي كل خطة مالية تمثل تقريرا مفصلا لنفقات الدولة وإيراداتها مدتها سنة وتصدر سنويا بعد موافقة الهيئة التشريعية عليها وتعتبر فرنسا ثم بريطانيا  من الدول الأولى التي قامت بتجربة الموازنة لنظامها المالي ولم تقتصر وظيفة الموازنة لتأكيد رقابة السلطات الشعبية على الحسابات العامة فقط ، بل تعدتها لتمثل أداة لتحقيق التشغيل الكامل والاستقرار الاقتصادي وهذا يعني أن الموازنة أو الميزانية تحولت إلى أداة لإدارة الاقتصاد وتوجيهيه ، وعموما لا خلاف بين النظم المالية في هذا الشأن وإنما يقع الخلاف بينهما في تحديد حجم الأدوات المالية أي النفقات العامة والإيرادات العامة وأنواعها والأهمية التي تعطى لكل نوع ...

المصادر القانونية للمالية العامة

  1. المصادر الدستورية :

الدستور يتضمن القواعد الأساسية المنظمة لمختلف جوانب المالية العامة والتي يتعين أن توضع القوانين المالية في حدودها، فهو ينظم النفقات العامة والشروط الأساسية لفرض الضرائب والرسوم العامة وعقد القروض وقواعد إقرار الموازنة العامة أو اعتمادها بواسطة السلطة التشريعية وكيفية مراقبة تنفيذها. "المادة 43 من الدستور القطري تؤكد على أن : الضرائب أساسها العدالة الاجتماعية ولا يجوز فرضها الا بقانون"المصادر القانونية للمالية العامة

  1. المصادر التشريعية:

القانون هو الأداة التنظيمية التي يلجأ إليها المشرع لوضع القواعد العامة الملزمة في مختلف الميادين ومنها الميدان المالي، فتأخذ مختلف عناصر المالية العامة من نفقات وإيرادات وميزانية، شكل قواعد قانونية، ومجموع هذه القواعد القانونية تدعى بالتشريع المالي ...

  • قانون المالية العامة :

تتمثل قوانين المالية المصدر الأكبر للمالية العامة إذ تفصل الإيرادات والنفقات لما يشبع الحاجات العامة للمجتمع في كل المجالات وما دامت الحاجات العامة تتقيد في فترات قصيرة، يصدر قانون المالية كل سنة على أن يليه قانون مالية تكميلي لمواجهة الظروف المتجددة.

  • القانون الإداري:

هو مجموعة القواعد التي تنظم السلطة الإدارية وتحكم نشاطها بوصفها سلطة عامة وعليه فهو يحكم الإدارة العامة من حيث تكوين أو تنظيم الجهاز الإداري ومن حيث النشاط بما تتمتع به من سلطة عامة تمنحها مجموعة كبيرة من الامتيازات فهو ينظم طريقة سير المرافق العامة وهذا يحتاج إلى نفقات وإيرادات عامة يبحثها علم المالية العامة. الضرائب والجمارك هي مرافق إدارية تخضع في عملها للقانون الإداري وتختص بالمسائل المالية فتحصيل الإيرادات مثل الضرائب والجمارك والرسوم تقوم به الإدارة ومن ثم يخضع للقانون الإداري ونفقاتها من أجور للموظفين العموميين بل كل ما يتعلق بالعلاقة الوظيفية وجل ما يتعلق بعلاقتها مع الموردين والمراجعين يخضع للقانون الإداري.

الدروس ذات الصلة