نشأ علم المالية العامة كجزء من علم الاقتصاد ليتخصص في دراسة النشاط المالي للدولة ونتيجة للارتباط المتبادل والوثيق بينهما فقد ازداد الاهتمام بدراسة الجوانب الاقتصادية للمالية العامة.

يدرس علم المالية العامة النشاط المالي للدولة و يتعلق هذا النشاط بتحديد كل من:

  • النفقات الحكومية الضرورية لإشباع الحاجات العامة للمجتمع
  • كيفية توفير الايرادات الحكومية اللازمة لتغطية هذه النفقات.

اختلف نطاق علم المالية العامة وفقا لتطور دو الدولة في النشاط الاقتصادي و خاصة بين المدرسة التقليدية والمدرسة الحديثة.

المدرسة الاقتصادية التقليدية

يقتصر دور الدولة علي توفير الخدمات العامة اللازمة مثل الدفاع و الأمن و العدالة (الدولة الحارسة) وبعض الاعمال التي لا يقبل القطاع الخاص بتنفيذها، خاصة التي لا يترتب علي توفيرها تغيير في الاسعار للسلع و الخدمات، إذا الاعمال التي لا تسبب اضرار للنشاط الاقتصادي. حيث ان قوي العرض و الطلب اذا تركت بدون تدخل من الدولة فإنها سوف تتجه بالاقتصاد الى التوازن التلقائي عند مستوي التوظيف الكامل الذي يلبي حاجيات المجتمع.

خصائص المدرسة الاقتصادية التقليدية

  • النشاط المالي للحكومة يكون محايدا ولا يؤثر في الاسعار.
  • النشاط المالي للحكومة يكون أقل تكلفة ممكنة وبالتالي يجب تخفيض عبئ الضريبة على المجتمع.
  • ضرورة تحقيق التوازن في الميزانية العامة إذ ان الفائض يؤدي للتبذير و العجز يؤدي للاقتراض.
  • القروض العامة من وجهة نظر هذه المدرسة إهدار للمدخرات الوطنية إذ أنها تسحب من الاستثمار.

ظهور المدرسة الاقتصادية الحديثة

عدم توفر شروط المنافسة الكاملة لكي يعمل نظام السوق بكفاءة و يستعيد التوازن و الاستقرار تلقائيا في اقتصاديات الدول الرأسمالية التي اتبعت هذا المنهج، فكانت ازمة الكساد الكبير الذي اجتاح العالم في الثلاثينات من القرن العشرين نقطة تحول في الفكر الاقتصادي، و خاصه فيما يتعلق بدور الدولة. وقد اتجهت النظرية الحديثة الي تأييد تدخل الدولة للتأثير علي النشاط الاقتصادي وتوجيهه.

خصائص المدرسة الاقتصادية الحديثة:

أصبح هدف المدرسة الحديثة تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي بدلا من توازن الميزانية العامة وبذلك يمكن للعجز أن يكون متعمدا.

لم تعد طبيعة الإنفاق العام استهلاكية فقط و إنما يمكن ان تكون طبيعتها إنتاجية ايضا.

لم يعد هناك ضرورة لحياد النشاط المالي لذلك دعت إلى عدم حيادية المالية العامة.

علاقة علم المالية العامة بعلم الاقتصاد

علاقة علم المالية العامة بالاقتصاد هي علاقة الجزء بالكل يؤثر ويتأثر كل منهما بالآخر، وذلك عن طريق استخدام الإيرادات والنفقات كأدوات مهمة للتأثير في الاقتصاد، فالكثير من الأزمات الاقتصادية كالتضخم والانكماش يمكن للإيرادات او للنفقات ان يكون لها دورا واضحا ومؤثرا في التخفيف من آثار هذه الأزمات . كما ان السياسة المالية والسياسة الاقتصادية لا يقوم بينهما تعارض، بل يجمع بينها وحدة الهدف في تحقيق الاستقرار والتخلص من الأزمات الاقتصادية .

أنواع الحاجات

الحاجات الفردية: يتولى الفرد أمر إشباعه بنفسه، ويترك له حرية التصرف بها كقاعدة عامة في كل مجتمع، وهذه الحاجات مستمدة من مقتضيات الحياة الطبيعية والثقافية والروحية للإنسان.

الحاجات الجماعية: تعرف بأنها الحاجة الجماعية التي يقوم النشاط العام بإشباعها وتنقسم إلى:

  • قسم يقوم بإشباعه النشاط الخاص وهو ما يعرف بالحاجات الخاصة.
  • قسم يقوم بإشباعه النشاط العام وهو ما يعرف بالحاجات العامة كالحاجة إلى العدالة والأمن والدفاع ...

1- الحاجات العامة غير القابلة للتجزئة:

  • هي الحاجات التي لا يمكن تجزئة إشباعها وتجزئة المنفعة المتولدة عنها بالنسبة للأفراد أو للمجموعات مثل الأمن الداخلي والدفاع الخارجي والعدالة...
  • كمية اشباع الحاجات من هذه الخدمات لا تكون متساوية بين جميع الأفراد.
  • يستحيل استبعاد أي فرد أو مجموعة من التمتع بهذه الحاجات العامة.

2- الحاجات المستحقة:

حاجات يمكن تجزئتها، ويمكن فصلها عن بعضها البعض، وتعتمد أساسا على الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة في المجتمع، وهي حاجات يمكن أن يقوم بها النشاط الخاص وكذلك قد يقوم بها النشاط العام إذا كانت هناك منفعة جماعية أكبر من المنفعة الفردية مثل التعليم والصحة والنقل والمواصلات والمياه والكهرباء والغاز …

معايير التمييز بين الحاجات العامة والحاجات الخاصة

  • معيار اقتصادي: يقوم الأفراد بإشباع حاجاتهم الخاصة فأنهم يسعون إلى إشباع اكبر قدر ممكن من حاجاتهم بأقل تكلفة اقتصادية ممكنة. الفرد لا يقوم بإشباع حاجات معينة اذا كان إشباعها يتطلب نفقة اكبر مما تحققه له من منفعة. بينما على الدولة أن تقوم بإشباع هذه الحاجات، بغض النظر عن عملية الموازنة بين النفقة التي تتحملها والمنفعة التي تعود اليها.
  • معيار تاريخي: يعتمد هذا المعيار في التميز بين الحاجات بالرجوع إلى وظيفة الدولة التقليدية فالحاجات عامة أي في نطاق الوظائف التقليدية المعروفة للدولة كالدفاع والأمن والعدالة والخارجية.

السلع و الخدمات في المالية العامة:

  • تحتل السلع العامة أهمية خاصة في دراسة المالية العامة فهي تمثل النشاطات الأساسية للدولة وبالتالي يترتب علي تحديدها معرفة أوجه الإنفاق الضرورية التي يتحتم علي الدولة القيام بها.
  • السلع العامة هي سلع تشبع حاجات المجتمع قاطبة، مثل خدمات الدفاع عن الوطن و الأمن الداخلي و العدالة والخارجية فهي المحدد الأول لحجم النفقات العامة للدولة.
  • الغرض الأساسي من السلع والخدمات العامة هو تحقيق منفعة عامة وإشباع الحاجات العامة.

خاصيات السلع و الخدمات العامة

  • الاستهلاك غير التنافسي: يمكن استهلاك السلعة من قبل عدد لامحدود من المجتمع في نفس الوقت دون أن يقلل ذلك من المتاح للاستهلاك للآخرين. وتعني هذه الخاصية أن التكلفة الحدية الناتجة عن اضافة شخص واحد الي مستهلكي السلعة أو الخدمة مساوية للصفر. مثال بناء منارة تسترشد السفن بنورها.
  • عدم القابلية للاستبعاد: عدم القدرة على منع أي فرد من استهلاك السلعة أو الخدمة فلا يمكن استبعاد أحد من الاستفادة من خدمة الدفاع مثلاً لأنه لم يدفع الضرائب المستحقة عليه. حين لا يوجد مبرر منطقي لاستبعاد الفرد عن استهلاك السلعة، تتصف هذه السلعة بالعامة.

مشكلة الاستفادة المجانية من السلع العامة:

المستفيد المجاني هو المستهلك الذي لا يفصح عن تفضيلاته تجاه السلع العامة ويتم الانتفاع بها دون ان يدفع مقابل ذلك. وتعد مشكلة الاستفادة المجانية من الأسباب الأساسية في صعوبة الاعتماد على القطاع الخاص وقوى السوق لإنتاج السلع العامة. مثلا بعض السكان قد يحجمون عن الاشتراك في تمويل حديقة آملين على أنهم يستفيدون منها عندما يتم تنفيذها. لهذا السبب تتولى الحكومة إنتاج مثل هذه السلع والخدمات وتمويلها.

السلع العامة المحلية

يمكن إنتاج السلع العامة المحلية بواسطة الجهات المحلية التي تتميز بانخفاض مستوى التنافسية في الاستهلاك ولكن مع القدرة على استبعاد الأفراد الذين لا يدفعون المقابل مثل استخدام التذاكر للدخول إلى الحديقة، على ألا يترتب على ذلك زيادة كبيرة في التكاليف. الهدف من تحصيل الرسوم في هذه الحالة هو ربط الدفع بالاستفادة لتغطية التكلفة، مثل مواقف السيارات في وسط المدينة. و لكن عند انخفاض الطلب عليها يكون من الافضل السماح بالاستخدام المجاني لها بدلاً من تكبد تكاليف تنظيم الاستخدام.

السلع التي يترتب عليها آثار خارجية

  • تحدث الآثار الخارجية الناتجة عن الاستهلاك أو الإنتاج عندما يتأثر فرد باستهلاك سلعة أو خدمة إما بشكل إيجابي أو سلبي بالرغم من أنه لم يكن في الصفقة التي أدت للاستهلاك أو الانتاج المباشر.
  • السلع التي يترتب عليها آثار خارجية إيجابية: مثل تعليم الطفل لا يستفيد منه الطفل فقط بل يستفيد منه المجتمع  ككل.
  • السلع التي يترتب عليها آثار خارجية سلبية: مثل  تكاليف دخان المصنع يتحملها المجتمع كتكلفة غسيل الملابس المتكرر وتكلفة أمراض الصدر التي يسببها الدخان.

أسباب تدخل المالية العامة في النشاط الاقتصادي

يحدد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي حجم النفقات العامة بسبب فشل تفاعل العرض مع الطلب في تحقيق افضل نتائج للمجتمع، وفي حالات أخري لا تتوافر شروط المنافسة الكاملة لعمل نظام السوق .

السلع العامة هي السلع او الخدمات التي تشبع الحاجات العامة للمجتمع ككل مثل الدفاع و الأمن و العدالة. و لا يسعي القطاع الخاص لإنتاجها و بالتالي يفشل نظام السوق في توفيرها لأن :

  • استهلاكها غير تنافسي، مما يعني ان التكلفة الحدية لأي مستخدم اضافي لها = صفر .
  • كفائتها تقتضي تخصيص الموارد ان يتم التسعير عند  التكلفة الحدية = السعر و هو ما يجعل القطاع الخاص يحجم عن تقديمها وكذلك عند عدم امكانية استبعاد من لا يدفعون ثمن الخدمة .

أهداف تدخل المالية العامة في النشاط الاقتصادي

  1. مستوي العمالة: يكون برفع مستوي الطلب العام عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي "سياسة مالية توسعية" أو رفع مستوي الطلب الخاص عن طريق تخفيض الضرائب "سياسة التمويل بالعجز"
  2. استقرار الاسعار: إذا ساد ارتفاع الاسعار يكون الاقتصاد في حالة "تضخم اقتصادي"، فهو يخفض المداخيل الحقيقية لذوي الدخل الثابت، كما يؤدي الي فقدان النقود للقوة الشرائية و زيادة تكاليف الإنتاج و لهذ يكون مواجهة التضخم عادة هو المقصود باستقرار الأسعار. يمكن للدولة العمل علي تخفيض حجم الطلب الكلي بتخفيض مكوناته من استهلاك و استثمار عن طريق سياسة التمويل بالفائض (فرض الضرائب) و خفض الإنفاق الحكومي بتخفيض حجم الاستهلاك الكلي بسياسة مالية انكماشية.
  3. توازن ميزان الدفوعات: هو سجل حسابي ينظم العلاقات بين الاقتصاد المحلي و العالم الخارجي خلال فترة زمنية معينة من خلال الميزان التجاري. يمكن للدولة زيادة الصادرات عن طريق إعانات التصدير وتسهيله. كما يمكن للحكومة تخفيض الواردات عن طريق رفع الضريبة علي الواردات وتشجيع الصناعات البديلة للواردات.
  4. التنمية الاقتصادية: تتم زيادة الإنتاج عن طريق خلق عناصر الإنتاج في المجتمع. وتتميز التنمية الاقتصادية بأنها طويلة المدي وليس لها عائد مادي سريع مما يجعل تدخل الدولة ضروري لتحقيقها برفع الانفاق علي رأس المال البشري والاستخدام الأفضل للموارد الطبيعة والقيام باستثمارات مباشرة والعدالة في توزيع الدخل والثروة.
  5. مقاومة الاحتكار: فرض التشريعات و القوانين التي تمنع حدوث الاحتكار والإشراف علي سياسة النشاطات الاحتكارية للتأكد من عملها بما يتفق مع مصلح المجتمع وباعتماد التكاليف المتناقصة (الاحتكار الطبيعي) أي أن تكون التكلفة الحدية متناقصة مع الزيادة في حجم الانتاج.

الدروس ذات الصلة